قصة نجاح مهاجر مصري شاب
من العيش في ملجأ للمشردين في أميركا إلى صاحب شركة في مجال البرمجيات..
ترك معاوية الديب المدرسة في الصف السادس ليعمل في مطعم بيتزا في كوينز بولاية نيويورك لمدة 12 ساعة يومياً. سقطت عائلته في بئر الفقر وكان يرغب في مساعدة والديه في نفقات المنزل.
قال الديب “والدي لم يطلب مني الحصول على وظيفة، ولكننا كنا نعيش في شقة من غرفة نوم واحدة، كان والدي يتحمل إيجارها بالكاد، وكانت الأمور تزداد سوءا”.
كان معاوية الديب يبلغ من العمر تسع سنوات عندما فاز والده بتأشيرة في مصر، وانتقلت الأسرة إلى الولايات المتحدة. جاؤوا لعلاج شقيقه الأصغر الذي كان يعاني من خَلَل التَّنَسُّجِ الأَدِيمِيّ الظَّاهِر، وهو عيب خلقي خطير يؤثر على تطور الجلد والغدد، بحسب مقابلة لشبكة“سي إن إن” الأميركية
لكنّ العيش في الولايات المتحدة كان صعباً، حتى حدث تطور قدري عجيب، عندما وقع انفجار في غرفة المرجل في البناء الذي توجد فيه شقة الأسرة فدمرها.
“أكثر الأيام رعباً”
يقول الديب “كان هذا هو أكثر الأيام رعباً، ولكن الآن عندما أنظر إلى الوراء، أشعر بأن ذلك كان أفضل شيء حدث لعائلتي، وقد غيّر مجرى حياتنا كلها”.
انتقلت العائلة إلى ملجأ للمشردين لمدة سنة، وكانت تعتمد على كوبونات الطعام. للمرة الأولى منذ وصولها إلى الولايات المتحدة، لم تعد الأسرة تكافح من أجل دفع الإيجار أو شراء الطعام.
استطاع معاوية ترك وظيفته والتركيز على تعليمه. وسرعان ما اكتشف اهتمامه بعلوم الكمبيوتر التي أدت في نهاية المطاف إلى حصوله على بكالوريوس علوم الكمبيوتر من جامعة كولومبيا وبدء شركته الخاصة، والتي تستخدم المرايا التفاعلية التي تساعد الرياضيين على التدريب بدون المدرب البشري.
كُرّم الديب وكذلك خروجه المدهش من الفقر مؤخراً بحصوله على جائزة أبطال مؤسسة روبن هود.
هذه هي قصة نجاحه الأميركية.
كيف كانت الحياة عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة؟
عندما وصلت مع أمي وأبي وأختي وأخي الرضيع إلى كوينز، لم تكن هناك خطة. كان والدي حاصلاً على درجة الماجستير في المحاسبة، ولكن الجميع قالوا له إن هذا لن ينفعه هنا. وقال له مصريون آخرون إن عليه إما أن يعمل في مطعم بيتزا أو سائقا لسيارة أجرة. كان يعرف أنه بحاجة إلى العمل على الفور، لذلك كان يعمل في مطعم بيتزا.
بعد أسبوع أو اثنين، وجدنا شقة بغرفة نوم واحدة. وكان الإيجار حوالي 1000 دولار في الشهر، الذي كان ما يقرب من 70% من دخله. لم تستطع أمي أن تعمل لأنها كانت تتولى رعاية أخي الصغير الذي كان يعاني من حالة طبية تسمى التَّنَسُّج الأَدِيْمِي الظَّاهِر.
أخي لم يكن لديه أي غدد عرقية (نتيجة للحالة)، فكان لدينا جهاز لتكييف الهواء يعمل طوال الوقت، لذلك كانت فاتورة الكهرباء عالية جدا. كان لدينا بالكاد ما يكفي من المال. بالإضافة إلى ذلك، حين كان الملاك يعرفون أن هناك عدداً كبيراً من الناس في شقة بغرفة نوم واحدة، كانوا يطردوننا. أعتقد أننا كنا نطرد كل عام تقريباً.
عندما كان عمري 11 عاماً، قررت أنني أريد المساعدة. وكان العمل الوحيد الذي كنت أعرفه في مطعم البيتزا مع والدي، وهكذا عملت هناك. كان راتبي 20 دولاراً في اليوم الواحد، وكنت أعمل 12 ساعة يومياً. واستمر هذا الوضع لسنوات.
كيف استطعت أن تتوقف عن العمل وتركز على الدراسة؟
انفجرت الغلاية في المبنى السكني أثناء إصلاحها، بينما كانت والدتي وشقيقي الصغير في الداخل، إلا أنها استطاعا الهرب من الخطر، وما هي إلا ثوان حتى انهار المبنى بالكامل جراء الانفجار الثاني.
انتقلنا إلى مأوى للمشردين ومكثنا فيه لمدة عام، وكان شعوراً جيداً منذ فترة طويلة، إذ للمرة الأولى لم يقلقنا الطرد من مسكننا، وأيضاً كنا نحصل على كوبونات للطعام.
تدرب والدي وأصبح مدرس تعليم خاص.
كنت أعمل في محل بيتزا خلال فترة الدراسة المتوسطة، وكان من المفترض أن أبدأ الصف التاسع في ذلك الوقت، ذهبت إلى المكتبة العامة الواقعة بجوار المأوى في هارلم ذلك العام، حيث سألتني إحدى أمينات المكتبة لماذا لا أتواجد في المدرسة. ومن ثم صممت لي منهجاً دراسياً كاملاً، ولمدة سنة، استذكرت كل الدروس على موقع Khan Academy، بدايةً من أساسيات الجبر، وحتى أنهيت دراسة الجبر بالكامل.
انتقلنا إلى مشاريع كوينز بريدج بعد عام. وكانت المرة الأولى التي نعيش فيها في مكان يتكون من أكثر من غرفة نوم واحدة. أجريت اختباراً في مدرسة “المدينة”، وهي مدرسة محلية إسلامية ثانوية خاصة، ثم سمحوا لي بحضور الصف العاشر في منحة دراسية مدفوعة التكاليف بالكامل. كانت المدرسة تمتلك برنامجاً خاصاً بالتخرج المبكر، فذهبت إلى المدرسة بعد أوقات الدراسة وفي الإجازات الأسبوعية. وتخرجت في الصف الحادي عشر.
ذهبت إلى كلية كوينز والتحقت بأحد برامج علوم الحاسوب، تحت رعاية مؤسسة روبين هود، الذي يسمى ائتلاف كوينز. وقد تقدمت بطلب للالتحاق بجامعة كولومبيا، وأتممت دراسة برنامج علوم الحاسب هناك.
انتقلت إلى سان فرانسيسكو منذ عامين من أجل العمل في مشروعي
جاءتني فكرة هذا المشروع عندما كنت أدرس في جامعة كولومبيا. كنت أحب ممارسة التدريبات الرياضية، وكنت مدرباً خاصاً. وكان أحد شركائي المؤسسين في مشروعي الحالي من ضمن الأشخاص الذين دربتهم.
صممنا هذه المرايا الذكية خصيصاً لصالات التدريبات الرياضية، إذ تؤدي التمرينات الرياضية أمام هذه المرايا، ومن ثم توضح لك تصحيحات مباشرة على أدائك، وكأنها مدرب شخصي بدون تكلفة. أسندنا العمل إلى شركة Y-Combinator، وهي واحدة من أفضل الشركات المحتضنة للمشاريع الناشئة في العالم، وانتهى تصميم البرنامج في يناير/ كانون الثاني عام 2015. وبحلول نهاية شهر مايو/ أيار 2015 ربحنا 1.5 مليون دولار.
ما أكبر العقبات التي واجهتك؟
لم أكن أعتقد أنني أتحدث الإنكليزية بكفاءة كافية تمكنني من النجاح في المدرسة. ولكن في المكتبة، كنت قادراً على أداء واجبات موقع Khan Academy، وكان لدي مساحتي الخاصة، ما مكنني من مراجعة الأجزاء التي لم أستطع فهمها.
حاولت إقناع نفسي أنني أستطيع الدراسة بالفعل، لا سيما باللغة الإنكليزية، وأعتقد أن هذه كانت أكبر صعوبة واجهتني.
ما الذي ساعدك في تحقيق أهدافك؟
يخشى الجميع من فقدان استقرارهم، ما يدفعهم إلى عدم فعل الكثير من الاشياء.
“ما الأسوأ؟”، كان ذلك السؤال في ذهني دائماً، بالنسبة لي، بغض النظر عن الموت، فقد حدثت أسوأ الأحداث معي بالفعل، ما جعلني أشعر بالحرية.
كيف تُعرِّف النجاح؟
النجاح هو أن أكون قادراً على فعل ما أريده حقاً، وليس ما تضطرني إليه الظروف، والحمد لله أنني أُتيحت لي الفرصة لذلك.
يقول معاوية الديب إن “أميركا لا تعترف بالمكان الذي أتيت منه، بل بالذي سوف تكون عليه هنا”.
باعتبارك مهاجرا مسلما، هل تشعر بالقلق من رئاسة دونالد ترامب القادمة كمهاجر مسلم؟
أنا قلق جداً من المستقبل، فهو يريد أن يمنع أمثالي من القدوم إلى هنا، لن تكون لدي الفرصة أبداً للمجيء إلى هنا، كما أنني في غاية القلق من مغادرتي لزيارة باقي عائلتي، فقد لا يُسمح لي بالرجوع مرة أخرى.
يأتي المهاجرون إلى هنا لكي يعملوا بجد، إذا لم يُسمح لهم بالاستمرار في هذا المكان، فأنا قلق على استمرار المكانة العظيمة لأميركا.
لقد منحتني أميركا كل شيء حلمت به يوماً ما، بل ومنحتني الأشياء التي لم أكن لأحلم بها حتى. أتمنى أن يكف الناس عن النظر إلى المهاجرين كغرباء، والتأكيد على شعورهم بأنهم مواطنون أميركيون